فصل: 39- باب حق الجار والوصية بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.39- باب حق الجار والوصية بِهِ:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، والإحسان بالوالدين، والأقارب، والأيتام والمساكين، والجيران، وهم ثلاثة:
فجارٌ له ثلاثة حقوق: وهو الجار المسلم القريب.
وجارٌ له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام.
وجار له حق الجوار: وهو الكافر.
والصاحب بالجنب: قيل: المرأة. وقيل الرفيق في السفر. وقيل: الذي يصحبك رجاء نفعك.
والآية تعمّ الجميع، وابن السبيل: المسافر، والضيف، وما ملكت أيمانكم: يعني العبيد، والإماء.
ثم قال تعالى بعد ما ذكر من الحقوق: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
لأن المتكبِّر يمنع الحق.
قال أبو رجاء: لا تجد سيِّيء الملكة إلا وجدته مختالًا فخورًا، ولا عاقًا إلا وجدته جَبَّارًا شقيًا.
303- وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا تعظيم حق الجار، والاعتناء به، والاهتمام بشأنه.
304- وعن أَبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأكثِرْ مَاءهَا، وَتَعَاهَدْ جيرَانَكَ». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ عن أَبي ذر، قَالَ: إنّ خليلي صلى الله عليه وسلم أوْصَاني: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأكْثِرْ مَاءها، ثُمَّ انْظُرْ أهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأصِبْهُمْ مِنْهَا بِمعرُوفٍ».
الأمر بإكثار ماء المرقة ليكثر الائتدام بها.
وفي الحديث: الحضّ على تعاهد الجيران ولو بالقليل، لما يترتب على ذلك من المحبة والأُلفة، ولما يحصل به من المنفعة ودفع المفسدة، لأن الجار قد يتزوج القتار فيتحرى لهدية جاره.
305- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «واللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ!» قِيلَ: مَنْ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ!». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
«البَوَائِقُ»: الغَوَائِلُ والشُّرُورُ.
في هذا الحديث: وعيد شديد لمن أخاف جاره أو خادعه على أهله أو ماله.
306- وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاة». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فيه: الحثُ على فعل المعروف بين الجيران وإنْ قل.
307- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ»، ثُمَّ يقُولُ أَبُو هريرة: مَا لِي أرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضينَ! وَاللهِ لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
رُوِيَ «خَشَبَهُ» بالإضَافَة وَالجمع. وَرُويَ «خَشَبَةً» بالتنوين عَلَى الإفرادِ. وقوله: مَا لي أراكم عَنْهَا مُعْرِضينَ: يَعْني عَنْ هذِهِ السُّنَّة.
في هذا الحديث: النهي عن المشاحنة بين الجيران وندبهم إلى التساهل والتسامح فيما ينفع الجار من وضع خشب وإجراء ماء. ونحو ذلك مما ينفع الجار، ولا يضر بالمالك.
308- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَومِ الآخرِ، فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
309- وعن أَبي شُرَيْح الخُزَاعيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ». رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.
هذا الحديث: من قواعد الإسلام، لأن جميع آداب الخير تتفرع منه وآكدها حق الجوار.
310- وعن عائشة رضي الله عنها قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إنَّ لِي جارَيْنِ، فإلى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنكِ بَابًا». رواه البخاري.
فيه: دليل على تقديم الأقرب من الجيران بابًا على الأبعد منهم.
311- وعن عبدِ الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيرُ الجِيرَانِ عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ». رواه الترمذي، وَقالَ: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فيه: الحث على الإحسان إلى الجيران، وكف الأذى عنهم والانبساط إليهم.

.40- باب بر الوالدين وصلة الأرحام:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام} [النساء: 1].
أي: اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لينجيكم من عذابه، واتقوا الأرحام لا تقطعوها.
وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} الآية [الرعد: 21].
هذه الآية عامة في صلة الأرحام، والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج وبذل المعروف.
وَقالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8].
أي: برًّا بهما وعطفًا عليهما.
نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقَّاص لما أسلم، وكان بارًّا بأمه، فقالت أمه: ما هذا الدين! والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنتَ عليه، أو أموت، فمكثت كذلك أيَّامًا، فجاءها سعد فقال: يَا أمَّاه لو أن لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، فكلي إن شئتِ، أو اتركي، فلما أيست منه أَكَلَت وشَرِبَت، فأنزل الله هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فنهى تعالى عن طاعتهما في المعصية وأمر ببرهما، لما قال في الآية الأُخرى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
وَقالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24].
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، والإحسان إلى الوالدين، وبرهما، والعطف عليهما خصوصًا عند كبرهما، وضعفهما، فإنهما قد ربَّياه، وعطفا عليه، وهو صغير ضعيف.
وَقالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك} [لقمان: 14].
قال ابن عيينة: من صلَّى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في إدبار الصلوات فقد شكر لهما.
312- وعن أَبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سبيلِ الله». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحديث: دليل على أنّ الصلاة في وقتها أفضل الأعمال، وأن بر الوالدين أفضل من الجهاد.
313- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». رواه مسلم.
وفيه: تعظيم حق الوالدين، وأن الولد لو فعل من البر ما فعل لا يكافئه إلا بعتقه.
314- وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
صلة الرحم واجبة وقطعها معصية كبيرة وهي درجات بعضها أرفع من بعض.
315- وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ، قَالَ: نَعَمْ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ»، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: فَقَالَ الله تَعَالَى: «مَنْ وَصَلَكِ، وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ، قَطَعْتُهُ».
في هذا الحديث: تعظيم شأن الرحم، وفضلِ واصلها، وعظيم إثم قاطعها، والرحم: قرابات الرجل من جهة والديه وإن علوا، وأولاده وإن نزلوا، وما يتصل بالطرفين من الأعمام والأخوال وأولادهم.
316- وعنه رضي الله عنه قَالَ: جاء رجل إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أبُوكَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: يَا رَسُول الله! مَنْ أَحَقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أدْنَاكَ أدْنَاكَ».
«وَالصَّحَابَةُ» بمعنى: الصحبةِ. وقوله: «ثُمَّ أباك» هكذا هُوَ منصوب بفعلٍ محذوفٍ، أي: ثُمَّ بُرَّ أبَاكَ. وفي رواية: «ثُمَّ أبوك»، وهذا واضح.
في هذا الحديث: تأكيد حق الأم، ويشهد له قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 8].
317- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رغِم أَنفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ مَنْ أدْرَكَ أبَويهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أَحَدهُما أَوْ كِليهمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ». رواه مسلم.
فيه: البشارة لمن برَّ بوالديه بدخول الجنة، خصوصًا عند كبرهما وَضُعْفِهما.
318- وعنه رضي الله عنه أن رجلًا قَالَ: يَا رَسُول الله! إنّ لِي قَرابةً أصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ، وَأَحْلَمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ». رواه مسلم.
«وَتُسِفُّهُمْ» بضم التاء وكسرِ السين المهملة وتشديد الفاءِ و«المَلُّ» بفتح الميم، وتشديد اللام وَهُوَ الرَّمادُ الحَارُّ: أيْ كَأنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ، وَهُوَ تَشبِيهٌ لِمَا يَلْحَقَهُمْ من الإثم بما يلحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلمِ، وَلا شَيءَ عَلَى هَذَا المُحْسِنِ إلَيهمْ، لكِنْ يَنَالُهُمْ إثمٌ عَظيمٌ بتَقْصيرِهم في حَقِّهِ، وَإدْخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيهِ، وَاللهُ أعلم.
في الحديث: أنَّ هذه الخصال هي سبب إعانة هذا الواصل وتأييده وتوفيقه، وتسديده، ونصره عليهم.
319- وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «من أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «ينسأ لَهُ في أثرِهِ»، أي: يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ.
فيه: أن صلة الرحم تزيد في الرزق والعمر، بالتوفيق والبركة، وقد قال الله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 38، 39].
320- وعنه قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدينَةِ مَالًا مِنْ نَخل، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَاله إِلَيْهِ بَيْرَحاء، وَكَانَتْ مسْتَقْبَلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّب، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]
قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إنَّ الله تبارك وتَعَالَى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ تعالى، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله تَعَالَى، فَضَعْهَا يَا رَسُول الله! حَيْثُ أرَاكَ الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «بَخ! ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ! وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُول الله! فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وسبق بيان ألفاظِهِ في باب الإنْفَاقِ مِمَّا يحب.
في هذا الحديث: أنّ أفضل الصدقة ما كان على الأقارب؛ لأنها صدقةٌ وصِلة.
321- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى. قَالَ: «فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟». قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا. قَالَ: «فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لَفْظُ مسلِم.
وفي رواية لَهُمَا: جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأذَنَهُ في الجِهَادِ، فقَالَ: «أحَيٌّ وَالِداكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفيهِمَا فَجَاهِدْ».
في هذا الحديث تقديم برِّ الوالدين على الهجرة والجهاد.
322- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». رواه البخاري.
وَ «قَطَعَتْ» بِفَتح القَاف وَالطَّاء. وَ«رَحِمُهُ» مرفُوعٌ.
الناس ثلاثة: واصل، ومكافئ، وقاطع.
فالواصل: من يبدأ بالفضل.
والمكافئ: من يرد مثله.
والقاطع: من لا يتفضل ولا يكافئ، فالكامل من يصل من قطعه.
323- وعن عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي، وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي، قَطَعَهُ اللهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في الحديث: تعظيم شأن الرحم، ووعِد من وصلها بوصل الله، ووعيد من قطعها بقطعه.
324- وعن أم المؤمنين ميمونة بنتِ الحارث رضي الله عنها: أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَستَأذِنِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أشَعَرْتَ يَا رَسُول الله! أنِّي أعتَقْتُ وَليدَتِي؟ قَالَ: «أَوَ فَعَلْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأجْرِكِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: دليل على أن عطية القريب أفضل من العتق إذا كانوا محتاجين.
وفيه: صحة تصرف الزوجة في مالها بغير إذن زوجها.
325- وعن أسماءَ بنتِ أَبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشركةٌ في عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فاسْتَفْتَيْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَولُهَا: «رَاغِبَةٌ» أيْ: طَامِعَةٌ فِيمَا عِنْدِي تَسْألُني شَيْئًا؛ قِيلَ: كَانَتْ أُمُّهَا مِن النَّسَبِ، وَقيل: مِن الرَّضَاعَةِ، وَالصحيحُ الأول.
في الحديث: جواز صلة القريب المشرك، ويشهد لذلك قوله تعالى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
326- وعن زينب الثقفيةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عَنْهُ وعنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ»، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عبد الله بنِ مسعود، فقلتُ لَهُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ، وَإنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ، فَاسألهُ، فإنْ كَانَ ذلِكَ يْجُزِئُ عَنِّي وَإلا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. فَقَالَ عبدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أنتِ، فانْطَلَقتُ، فَإذا امْرأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَاجَتي حَاجَتُها، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ المَهَابَةُ، فَخَرجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ، فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَأخْبرْهُ أنَّ امْرَأتَيْنِ بالبَابِ تَسألانِكَ: أُتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أزْواجِهمَا وَعَلَى أيْتَامٍ في حُجُورِهِما؟، وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، فَدَخلَ بِلاَلٌ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هُمَا؟» قَالَ: امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّ الزَّيَانِبِ؟» قَالَ: امْرَأةُ عبدِ الله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لَهُمَا أجْرَانِ: أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: أن الصدقة على القريب إذا كان محتاجًا أفضل من الصدقة على البعيد.
327- وعن أَبي سفيان صخر بنِ حرب رضي الله عنه في حديثِهِ الطويل في قِصَّةِ هِرَقْلَ: أنَّ هرقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَانَ: فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ بِهِ؟ يَعْنِي النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْتُ: يقول: «اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَالصّدْقِ، والعَفَافِ، والصِّلَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: الأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك، وعن عوائد الجاهلية المخالفة للشرع.
وفيه: الأمر بالصلاة، والصدقة والعفاف، وصلة الأرحام.
328- وعن أَبي ذرّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ». وفي رواية: «سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَهِيَ أرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». وفي رواية: «فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا»، أَوْ قَالَ: «ذِمَّةً وصِهْرًا». رواه مسلم.
قَالَ العلماء: «الرَّحِمُ»: الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ، «وَالصِّهْرُ»: كَوْن مَارية أمِّ إبْراهيمَ ابن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ.
في هذا الحديث: علامة من علامة النبوة، لكون الصحابة فتحوا مصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: الوصية بحفظ الذمة وصلة الرحم.
329- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: لما نزلت هذِهِ الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، وَقالَ: «يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ، أنقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يَا بني عبد المطلب، انقذوا أنفسكم من النار، يَا فَاطِمَةُ، أنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ. فَإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئًا، غَيْرَ أنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا». رواه مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «بِبِلالِهَا» هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها، «وَالبِلاَلُ»: الماءُ. ومعنى الحديث: سَأصِلُهَا، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ.
في الآية والحديث: دلالة على البداءة بإنذار الأقربين عمومًا وخصوصًا، وقوله: «فإني لا أملك لكم من الله شيئًا»، أي: لا تتكلوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله بكم.
330- وعن أَبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: سمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: «إنَّ آل بَني فُلاَن لَيْسُوا بِأولِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبلاَلِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، واللفظ للبخاري.
قوله: «إنما وليي الله»، أي: هو ناصري والذي أتولاه في جميع الأمور. كما قال تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
ومعنى الحديث: لست أخص قرابتي ولا فصيلتي الأدنين بولاية دون المسلمين.
331- وعن أَبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ الله، وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ، وتَصِلُ الرَّحمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في الحديث: دليل على أنّ من وحّد الله، وقام بأركان الإسلام، ووصل رَحِمَهُ دخل الجنة.
332- وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أفْطَرَ أحَدُكُمْ فَلْيُفْطرْ عَلَى تَمْرٍ؛ فَإنَّهُ بَرَكةٌ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا، فالمَاءُ؛ فَإنَّهُ طَهُورٌ»، وَقالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسكينِ صَدَقةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». رواه الترمذي، وَقالَ: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أي: في الصدقة على القريب ثوابان جليلان، ثواب الصدقة، وثواب صلة الرحم.
333- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأةٌ، وَكُنْتُ أحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لي: طَلِّقْهَا، فَأبَيْتُ، فَأتَى عُمَرُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «طَلِّقْهَا». رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: امتثال أمر الأب إذا أمر ولده بطلاق امرأته.
334- وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه أن رجلًا أتاه، فقَالَ: إنّ لي امرأةً وإنّ أُمِّي تَأمُرُنِي بِطَلاقِهَا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «الوَالِدُ أوْسَطُ أبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإنْ شِئْتَ، فَأضِعْ ذلِكَ البَابَ، أَو احْفَظْهُ». رواه الترمذي، وَقالَ: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
فيه: استحباب طاعة الأم إذا أمرته بطلاق امرأته، ولم ترض إلا بذلك وهو من البر، وإن لم يطلقها فليس بعقوق.
335- وعن البراءِ بن عازب رضي اللهُ عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الخَالةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ». رواه الترمذي، وَقالَ: (حَدِيثٌ صَحيحٌ).
فيه: أن الخالة بمنزلة الأم في البر لأنها تقرب منها في الحنوِّ والشفقة ومعرفة ما يصلح الولد.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة؛ مِنْهَا حديث أصحاب الغار، وحديث جُرَيْجٍ وقد سبقا، وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختِصَارًا، وَمِنْ أهَمِّهَا حديث عَمْرو بن عَبسَة رضي الله عنه الطَّويلُ المُشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ كَثيرةٍ مِنْ قَواعِدِ الإسْلامِ وآدابِهِ، وَسَأذْكُرُهُ بتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى في باب الرَّجَاءِ، قَالَ فِيهِ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ- يَعْني: في أوَّلِ النُّبُوَّةِ- فقلتُ لَهُ: مَا أنْتَ؟ قَالَ: «نَبيٌّ»، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أرْسَلنِي اللهُ تَعَالَى»، فقلت: بأيِّ شَيءٍ أرْسَلَكَ؟ قَالَ: «أرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوثَانِ، وَأنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيء...» وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيث. والله أعلم.